الاثنين، 5 ديسمبر 2011




نشأة الأحزاب السياسية وتطورها

في النظام السياسى المصرى


يمكن العودة بالتجربة الحزبية المصرية إلى نهاية القرن التاسع عشر ، وفي هذا الشأن يمكن تصنيف الأحزاب السياسية التي نشأت منذ ذلك الوقت وحتى عام 1952 إلى مرحلين : - 


أولاً
مرحلة ما قبل ثورة عام 1919


دخلت مصر مرحلة جديدة بتأسيس مجلس شورى النواب عام 1866 ، وبالرغم من أن هذا الكيان كان كياناً استشارياً ، فقد لعب دوراً في تطور الحياة السياسية ، وتوفير أجواء للتفكير في العمل الحزبي . ويعتبر المؤرخون الحزب الوطني الذي نشأ على يد العرابيين عام 1879 ، أول الأحزاب السياسية في تاريخ مصر ، في حين يعتبر البعض الآخر أن هذا التنظيم لم يكن سوى تكتل جبهوي ، نتيجة افتقاده لصفة التنظيم ، ولوسائل الاتصال الكافية مع الجماهير . وكان هدف هذا الحزب هو مقاومة النفوذ الأجنبي ، وإنقاذ مصر من الإفلاس والدعوة للإصلاح وتنظيم التعليم . وقد تزعم الجناح العسكري للحزب أحمد عرابي ، في حين ترأسه سياسياً محمد حليم باشا . وقد وقع على برنامج الحزب شيخ الإسلام وبطريرك الأقباط وحاخام اليهود . وقد انتهى الوجود العملي لهذا الحزب بنفي العرابيين ، وخيانة بعض أعضائه من خلال تحالفهم مع الخديوى توفيق ، ثم جاء الاحتلال ليطوي تماماً صفحة هذا الحزب من خريطة الحياة السياسية المصرية . 
وخلال هذه المرحلة من تاريخ مصر نشأ الجيل الثاني من الأحزاب السياسية ، منذ عام 1907 . ويطلق معظم المؤرخين على هذا العام عام الأحزاب ، حيث أعلن عن تأسيس 5 أحزاب هي الحزب الوطني الحر ، والذي سمي فيما بعد بحزب الأحرار ، وهو حزب موالي لسلطة الاحتلال ، والحزب الجمهوري المصري ، وحزب الأمة بزعامة أحمد لطفي السيد ، وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، وقد تزعمه الشيخ على يوسف . أما الحزب الخامس فكان الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل . 
وخلال الفترة من 1908-1922 تكونت بعض الأحزاب كان منها الحزب الدستوري ، وهو من الأحزاب الموالية للخديوي وسلطة الاحتلال ، والحزب الاشتراكي المبارك (اشتراكي متطرف) ، والحزب المصري (طائفي مسيحي) ، وحزب العمال (اشتراكي متطرف) . 
ثانياً
مرحلة ما بعد ثورة 1919
حالة الوفد والأحرار الدستوريين


بدأ العهد الليبرالي مع صدور دستور 1923 ، الذي أشار إلى أن جميع السلطات مصدرها الأمة ، ولكنه كان يعبر عن اتجاهين متضادين هما ثورة 1919 والحركة الوطنية المصرية ، ومحاولة القصر الاحتفاظ بأكبر قدر من السلطة . 
أما بالنسبة إلى الأحزاب السياسية ، فرغم أنها كانت متباينة فيما بينها ، إلا أن السمة العامة لها هي وجود حزب شعبي قوي هو حزب الوفد ، لم يكن يحترم الأقلية البرلمانية ، وأحزاب أقلية كان معظمها ينتهك الدستور ويزيف الانتخابات بالاعتماد على القصر . وعلى هذا الأساس ، أخفق النظام الحزبي في وظيفتي التعبير عن المصالح وتجميع المصالح . وإذا أضيف إلى كل ذلك ، هيمنة الحكومة على البرلمان ، وكونها هي المحدد الفعلي لشكله وطبيعته وليس العكس، والصراعات الحزبية التي كانت تتم-على عكس المفترض-خارج البرلمان لتبين كيف تجمد النظام الحزبي المصري ومعه نظام الحكم برمته . وفي هذا الشأن ، يشير البعض إلى وجود نمط عام للأزمة في هذا النظام طيلة تلك الحقبة يتمثل في وصول الوفد إلى السلطة عقب انتخابات حرة ، تم دخول الوفد في صدام مع القصر أو الإنجليز أو كليهما ، فيقيل الملك الوزارة ويكلف أحزاب الأقلية بتشكيلها ، فتؤجل تلك الأخيرة انعقاد البرلمان ذي الأغلبية الوفدية ، فيحل الملك البرلمان وتجرى انتخابات جديدة تزيف لصالح الأقلية ، فيقوم الوفد بسلسلة من الإضرابات الجماهيرية ، مما يدفع الملك إلى إجراء انتخابات حرة يعود بعدها الوفد إلى الحكم . وقد أدت كافة هذه الأمور إلى عدم الاستقرار الحزبي والوزاري والبرلماني ، فخلال تلك الفترة ، تشكلت 38 وزارة بمتوسط عمر 9 أشهر للوزارة الواحدة ، كما لم يكمل أي برلمان مدته الدستورية باستثناء برلمان عام 1945 . وبذلك تكون التجربة النيابية قد أخفقت ، وكان هذا الإخفاق يرجع إلى ثلاثة أبعاد متناسقة ، مؤسسي ، وثقافي ، واجتماعي-اقتصادي . 


وعلى أية حال ، فإنه ضمن هذه البيئة ، تكونت العديد من الأحزاب السياسية ، ويمكن تقسيم الأحزاب التي تألفت في تلك الفترة وحتى عام 1952 إلى خمس مجموعات من الأحزاب : - 
الأحزاب الليبرالية ، وهي حزب الوفد والأحزاب المنشقة عليه ، وهي الأحرار الدستوريين والحزب السعدي وحزب الكتلة الوفدية . 
الأحزاب والجماعات الدينية ، وهي الإخوان المسلمين ، وحزب الله ، وحزب الآخاء ، وحزب الإصلاح الإسلامي .
الأحزاب الاشتراكية ، ومنها حزب مصر الفتاة ، والذي أصبح يسمى فيما بعد بالحزب الاشتراكي ، وعدد من التنظيمات اليسارية مثل حزب العمال الاشتراكي الشيوعي ، والحزب الشيوعي المصري ، وحزب الفلاح المصري ، والحركة الديمقراطية . 
أحزاب السراي ، وهي الأحزاب الموالية للملك ، وهي حزب الشعب وحزب الاتحاد الأول والثاني . 
الأحزاب النسائية ، هي حزب بنت النيل السياسي ، والحزب النسائي الوطني ، والحزب النسائي السياسي . 
وعلى أية حال ، فقد كان من أهم إنجازات ثورة 1919 إلغاء الحماية البريطانية عام 1922 ، وإعلان الدستور ، وإقرار الحياة النيابية ، وكان هذا الأمر الأخير قد بدأته كما هو معروف الثورة العرابية. إضافة إلى ذلك كرس الوفد الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط ، وخروج المرأة إلى مجال العمل العام . على أن الوفد بالمقابل شهد العديد من الصراعات الداخلية أثرت بأشكال متباينة على شعبيته . 
وعامة ، فقد كان إقرار دستور 1923 بداية لصراع بين ثلاث قوى هي الوفد ممثل القوى الوطنية ، والإنجليز الساعين لتحقيق مصالحهم ، والقصر الغاضب من القيود المفروضة على سلطاته في دستور 1923 . 
وقد جرت أول انتخابات برلمانية عام 1924 وفاز فيها الوفد ، وقام سعد باشا بتشكيل الوزارة ، بعد إجراء انتخابات حرة نزيهة سقط فيها رئيس الوزراء يحي إبراهيم باشا ، وهو رئيس الوزراء الذي صدر في عهده دستور 1923 بعد تصاعد الأصوات المطالبة بصدوره في مشروعه الأصلي ، والتي لعب فيها حزب الأحرار الدستوريين بزعامة عبد العزيز فهمي دوراً كبيراً . 


ونقدم بعد ذلك لمحة عن حزبي الوفد والأحرار الدستوريين من خلال التطرق إلى خبرة الممارسة الديمقراطية لهما ، من خلال دراسة نمط توزيع السلطة والاختصاص ، والعلاقة بين النخبة والأعضاء ، وأنماط التفاعل داخل النخبة الحزبية .
1 - نمط توزيع السلطة والاختصاص 
كان حزب الوفد من أكثر الأحزاب مركزية من بين الأحزاب والقوى السياسية قبل عام 1952 ، على المستويين الأفقي والرأسي ، وذلك في ظل غياب شبه كامل لأسلوب الانتخاب الذي كان قاصراً على قاعدة الهرم في البناء التنظيمي فحسب ، أي اللجان الفرعية التي كانت تنتخب رئيساً وسكرتيراً في بعض الأحيان ، ولجان الدوائر التي كانت تنتخب من جمعية عمومية في بعض الحالات التي كانت فيها هذه اللجان ولجان الدوائر في نشأتها على لجان المديريات التي تتبعها الدوائر . 
كما اتسم بناء حزب الوفد بدور محوري مهيمن لرئيسه بدرجة أعلى مما عرفه حزب الأحرار الدستوريين . فقد تميز الأخير بمحدودية دور رئيسه في عملية الاتصال خلال الأعوام السبعة الأولى قبل أن يتولى محمد محمود رئاسته عام 1929 ، حيث تعاظم هذا الدور حتى رحيله عام 1941 ليتراجع نسبياً بعد ذلك ، ورغم أن حزب الأحرار اعتمد في بنائه على أسلوب الانتخاب بشكل أوسع قليلاً من الوفد ، فقد تشابها في غلبة الطابع المركزي عليهما . 
وعلى صعيد اتخاذ القرارات الحزبية ، كان الوفد أقل أحزاب تلك الحقبة ليبرالية ، حيث كان الأسلوب الفردي هو السائد لانفراد رئيس الوفد باتخاذ أهم القرارات ، الأمر الذي لم يكن معروفاً في حزب الأحرار إلا خلال فترة رئاسة محمد محمود ، عندما تغلب الأسلوب الفردي أو الشللي ، بمعنى مشاركة مجموعة محدودة من قيادات الحزب الموالية له في اتخاذ بعض القرارات . ففي هذا الحزب كان أسلوب اتخاذ القرارات يختلف حسب شخصية رئيسه ، حيث كان لمجلس إدارته دور بارز في هذه العملية خلال عهدي عدلي يكن وعبد العزيز فهمي ، ورغم التراجع النسبي لهيمنة رئيس الحزب على اتخاذ القرار بعد رحيل محمد محمود ، فلم يسترد مجلس الإدارة دوره فيها كما كان عليه الحال في السنوات السبع الأولى . 




2 - العلاقة بين النخبة والأعضاء 
اتسمت العلاقة بين النخبة وأعضاء الحزبين بعدم الديمقراطية إجمالاً . فبالنسبة للمؤتمر العام الذي يمثل أهم حلقة اتصال بين قيادة وقواعد أي حزب ، لم يكن لهذا المستوى التنظيمي وجود في حالة الوفد ، الذي لم يعرف أيضاً التنظيم الحديث للعضوية ، مكتفياً بالعلاقة المباشرة بين قياداته والشارع السياسي بوجه عام . 
ورغم أن الأحرار الدستوريين عرف المؤتمر العام في صورة جمعيته التي قامت بتأسيسه ، إلا أن هذه الجمعية لم تنعقد سوى مرتين عامي 1942 و1951 في ظرف كانت وحدة الحزب فيها مهددة . ولم يكن لهذه الجمعية أي دور في النشاط الحزبي . 
وعلى صعيد عملية الحراك في القيادة الحزبية ، لم يعرف الوفد أسلوب الانتخاب في عملية تشكيل قيادة الحزب ، التي كانت تتم بالتعيين دائماً ، حيث أنفرد رئيس الحزب باختيار من يروق له . ورغم أن الأحرار لم يعرف أسلوب الانتخاب أيضاً كما كان الحال بالنسبة للوفد ، فقد كان الفارق بينهما أن دور الرئيس في حزب الأحرار لم يكن حاسماً دائماً في تشكيل القيادة ، حيث كانت هناك مساحة للتشاور بين قيادة الحزب في هذه العملية ، بل برزت أهمية هذا التشاور في اختيار رئيس الحزب نفسه . 
3 - أنماط التفاعلات داخل النخبة الحزبية 
اتسمت أنماط التفاعلات داخل المستوى القيادي للوفد والأحرار الدستوريين بطابع سلطوي بلغ ذروته في الوفد . فبالنسبة لحزب الوفد ، فقد كان الحزب نموذجاً للإدارة السلطوية للعلاقات داخل قيادته ، حيث انعكس الدور المحوري لرئيسه على أساليب إدارة الخلافات ، حيث كان هذا الرئيس قادراً في العادة على حسم أي خلاف بأسلوب سلطوي . وقد أدى ذلك إلى تعرض الحزب لعدة انشقاقات كبيرة . 
أما الأحرار الدستوريين ، فكان أسلوب إدارة الخلافات داخله أفضل حالاً بسبب عدم وجود زعامة طاغية للحزب باستثناء فترة محمد محمود . ولتعدد الجماعات التي تكون منها الحزب ، فقد عرف الحزب عملية التصويت الملزم لحسم الخلافات عندما يصعب تحقيق التوافق بين قادة الحزب . ولم يعرف الأحرار أسلوب الحسم السلطوي للخلافات الذي ساد الوفد ، إلا في حالات محدودة معظمها تم خلال فترة رئاسة محمد محمود وأقلها في ظل رئاسة محمد حسين هيكل ، لكن لم يصل هذا الحسم السلطوي لدرجة فصل عناصر قيادته كما حدث في الوفد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق