الأحد، 11 ديسمبر 2011

أنقذوا بحيرة ناصر


انقذوا بحيرة ناصر..


هذه الصرخة أطلقها عدد من خبراء وزارة البيئة لحماية البنك المركزي للمياه النقية بمصر فقد حذروا من مخاطر الزراعات الشاطئية واستغلال الثروة السمكية والانشطة السياحية المستنزفة للبحيرة من خلال تلويثها بالصرف الزراعي والصناعي والصحي الذي يحمل معه أنواعا خطيرة من البكتيريا والطحالب وغيرها, مما يهدد نوعية المياه علي المدي البعيد, خاصة أنها لا تتحرك, وقالوا إن لم نسارع الآن فإن النتيجة هي أن مصر ستشتري احتياجاتها من المياه النظيفة.. بعد خمسين عاما.. وربما أقل!!


وتكتسب الدعوة إلي إعلان بحيرة ناصر محمية طبيعية أهميتها من أهمية البحيرة باعتبارها المصدر الوحيد الذي يمد مصر بالمياه الذي يجب ان يكون بعيدا تماما عن مصادر التلوث وهذه الدعوة كانت أول وأهم مطلب لنتائج دراسة علمية أعدتها مجموعة من الخبراء والباحثين بوزارة البيئة.. واستغرق اعدادها عشر سنوات لتطالب بتدخل متخذي القرار لتقنين الأنشطة البشرية داخل البحيرة وحولها لمنع أي استغلال للثروة السمكية أو إقامة الزراعات الشاطئية أو الأنشطة السياحية وغيرها وضرورة استخدام كل السبل لمنع تلوثها.


الدراسة حذرت من أنه يجري حاليا انشاء عدد من الاعمال والمشروعات الاستثمارية داخل البحيرة وعلي ضفافها ومنها تخصيص الزمامات المائية للصيد الشاطئ أو داخل المياه العميقة وفقا لقرار وزاري صدر في العام قبل الماضي, كما يتم استغلال الأراضي الشاطئية في الزراعة حول البحيرة.. التي تقدر بـ1.5 مليون فدان في اقامة صناعات علي ما يوجد من خامات بالمنطقة المحيطة بالبحيرة كالرخام والجرانيت والطفلة وغيرها من الخامات المعدنية وهذا ما اثبته الحصر الذي قامت به هيئة تنمية بحيرة ناصر التابعة لوزارة الزراعة


كما نبهت الدراسة إلي ضرورة عدم اجراء أية أنشطة أو استثمارات قبل تقديم دراسات تقييم للآثار البيئية لهذه الأنشطة المزعومة ومنها خصخصة40% من مساحة البحيرة, حيث يقوم بالعمل في هذه المساحة عدد من الشركات الاستثمارية فضلا عن اعمال الصيد التي تقوم بها الجمعيات التعاونية في المساحة الباقية التي تمثل60% من البحيرة, الدكتور مجدي توفيق استاذ البيئة المائية بجامعة عين شمس واحد أفراد الفريق البحثي للبحيرة قال إن الدراسة رصدت عدة دلائل لتلوث البحيرة بدأت في الظهور فعليا وهي مظاهر تنبيء بالخطورة ويجب التنبه اليها.. ومنها تكرار ظاهرة الازدهار الطحلبي وهي التي كانت نادرة الحدوث من قبل, بل لم تكن موجودة الا في مساحات محدودة من المسطحات المائية بالبحيرة ولفترات قصيرة قبل حدوث الفيضان في جنوب البحيرة.. أما حاليا فهي تحدث طوال العام وانتشرت بكل البحيرة ولم تعد مقصورة علي منطقة الجنوب فيها.


سكون المياه


محمود القيسوني رئيس لجنة السياحة والبيئة باتحاد الغرف السياحية يطالب بوضع البحيرة تحت الحماية ليس فقط لأنها تحوي أعذب وأنقي مياه في مصر, ولكن بسبب بطء حركة المياه بها التي تصل إلي درجة السكون بما يحول بين حدوث الخلط بين طبقاتها العميقة التي غالبا ما تصل إلي الحالة اللاهوائية مما يجعل البحيرة شديدة القابلية للتلوث وهو ما يستلزم اخذ رأي علماء البيئة قبل اتخاذ أي قرار يمس هذه البحيرة من أجل حمايتها من خطر الخلل في التوازن البيئي, ويطالب بالالتزام بالتوصيات العلمية للباحثين التي توصلوا اليها خلال الثلاثين عاما ومنها خطر الاقتراب من البحيرة والحد من الانشطة الملوثة للبيئة بها وضرورة تجهيز شواطيء البحيرة بموانيء حديثة مزودة بأحدث الوسائل العلمية للتعامل مع القمامة والمخلفات والصرف الصحي.


ويصف رئيس لجنة السياحة والبيئة تضارب القرارات بين الجهات المعنية بأنه سيؤدي إلي حدوث كارثة حقيقية, فبينما تشترط وزارة الموارد المائية عدم زيادة البواخر السياحية ببحيرة ناصر علي5 بواخر للحفاظ علي بيئة البحيرة ونوعية المياه فيها, كما اشترط قرار لوزير الري عام2000 انشاء المراسي المجهزة لاقامة فنادق عائمة فإن وزارة البيئة حذرت من عدم فعالية الرقابة البيئية علي هذه العائمات المتحركة كلما زاد عددها, وقد حسم رئيس مجلس الوزراء هذه المسألة باصداره قرارا ينظم عملية الترخيص مع مراعاة انتشار المراسي المجهزة بالخدمات ووسائل استقبال الصرف الصحي والمخلفات من الفنادق العائمة والبواخر السياحية, وقد كان هناك6 فنادق عائمة عند صدور القرار عام2002


ولكن في عام2004 صدر قرار لوزير السياحة بالترخيص لـ14 فندقا سياحيا عائما ثم صدرت تراخيص جديدة لخمسة فنادق عائمة أخري ليكون اجماليها25 فندقا عائما فضلا عن وجود عبارتي ركاب بين مصر والسودان ودراسة بناء عبارتين أخريين لمواكبة تضاعف اعداد الركاب وبناء صنادل ضخمة لنقل مستلزمات البناء بين مصر والسودان والعودة بالمواد الغذائية بجانب وجود أكثر من4 آلاف مركب صيد وهذه القرارات المتضاربة تتجاهل أن بحيرة ناصر بالكامل وحتي اليوم لا توجد بها مراس لاستقبال كل هذه الكثافة


فقد اعتبرت وزارة السياحة ان كل القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء تهدف لمصلحة السياحة فقط ولو استخدمت الوزارات الأخري نفس الحق وفسرت قرارات مجلس الوزراء لمصلحتها وحدها فسوف يتعدي عدد العائمات بالبحيرة4040 عائمة وستكون النتيجة الحتمية هي تحول بحيرة السد من خزان رئيسي لمياه الشرب بمصر إلي مستنقع للتلوث والبكتيريا والسموم وهو ما يعني دون مبالغة أن تلجأ مصر إلي استيراد مياه الشرب خلال خمسين عاما وربما أقل!!


العالم الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص قال إن اهمية بحيرة ناصر تنبع من توفيرها حصة اضافية من ماء النيل لتحويله750 ألف فدان بأراضي الصعيد من ري حياض إلي ري دائم وتمت توسعة الأرض الزراعية بمساحة مليون فدان.


كما اعطتنا بحيرة ناصر مصايد اسماك عظيمة, حيث كان انتاج مصر السمكي قبل بحيرة ناصر لا يتجاوز1.5 ألف طن ووصل إلي38 ألف طن, كما حسنت البحيرة وسائل المواصلات النهرية بين مصر والسودان, ومع ذلك لم نستخدم أساليب تنموية رشيدة أو مستديمة أو إدارة سليمة للحفاظ علي هذا المورد النادر, لكن سوء الاستخدام أدي إلي تراجع الانتاج السمكي إلي أقل من8 آلاف طن فضلا عن تدهور نوعية هذه الاسماك


وأضاف أنه عندما اتيح انشاء فنادق عائمة بين اسوان وابوسمبل فقد تضاعف العدد وتجاوز الحد الأقصي الممكن فتحولت إلي مصدر خطر للبحيرة ومع ذلك فإنه يجري حاليا انشاء مشروعات لتشجيع السياحة مثل صيد الهواة بالبحيرة وهذه الأنشطة تحتاج إلي ضوابط محكمة لأضرارها البالغة علي نوعية المياه, كما أقيم علي بحيرة السد ميناء نهري قبل استكمال دراسات الآثار البيئية.


استفزاز الطبيعة


أما الخطر الأكبر الذي حذر منه الدكتور القصاص فهو مشروعات الزراعة علي شواطيء البحيرة لأنها تحتاج إلي اسمدة ومبيدات فضلا عن إنشاء تجمعات سكنية للمزارعين والخطورة تكمن في الصرف الصحي والزراعي بالبحيرة, كما أن الخطورة تزداد مع اقامة مشروعات صناعية علي ضفاف البحيرة, وكان علينا ان نكتفي بالمشروع الزراعي الكبير( توشكي).


أما الآن فإن المقصود بالحماية هو الإدارة البيئية.. أي الحماية من خلال إدارة بيئية لبحيرة ناصر بحيث تنمي مواردها في حدود ضوابط قدرة النظام الطبيعي علي العطاء وطاقته علي الاحتمال, ولكن كيف تتأتي الإدارة البيئية السليمة؟!


يقول لنتفق جميعا علي مستوي قومي من الآن علي وضع حدود لما يسمح به وما لا يسمح به, وأن يصدر بذلك خطة استراتيجية أو برنامج يقره مجلس الوزراء ويلتزم به الجميع لتنظيم استغلال كميات الماء والأسماك وحتي نتجاوز مأساة عدم مقدرتنا علي تنظيم وضبط مصائد الأسماك التي تواجهنا حتي الآن فهناك ما يسمي بالحد الأقصي للانتاجية لأي مسطح مائي.. والحد الأقصي لبحيرة ناصر بحسب ما تحدده الدراسات الا يتجاوز20 ألف طن من الانتاج السمكي


لذا يجب حظر الصيد في فترة التكاثر وتحديد كميات الصيد بدقة في الفترات المسموح فيها بالصيد, كما يجب ان تتفق الاستخدامات السياحية في بحيرة ناصر مع قدرة النظام الطبيعي علي الاحتمال كذلك من المهم جدا التوقف عن التفكير في مشروعات التنمية الزراعية والصناعية علي ضفاف البحيرة ويجب ايضا اجراء تحديد دقيق لاعداد بواخر النقل النهري بين مصر والسودان بعد دراسة النظام البيئي ومدي تحمله. كما يجب اعطاء اهتمام مناسب للرصد البيئي لمراقبة غزو النباتات المائية أو الحشرات وهي لا تكون هناك احتمالات أن تصبح البحيرة معبرا لبعض ناقلات الأمراض من الجنوب إلي الشمال..


كما أن الادارة السليمة تتيح مراقبة نوعية المياه بأخذ عينات لمعرفة حالتها ونوع البكتيريا واللون.. ورغم ان وزارة الموارد المائية المصرية مع الري السودانية تقومان بعمل رحلتين سنويا لأخذ عينات من بحيرة ناصر والنوبة ولكن يجب أن يتم هذا في إطار خطة شاملة ضمن إدارة البحيرة.


ويري دكتور سمير عشم أحد الخبراء القائمين بالدراسة والاستاذ بمعهد علوم البحار ضرورة انشاء جهاز يضم جميع الوزارات والهيئات المصرية ومراكز البحوث التي تعمل في البحيرة ولا يتخذ أي قرار بشأنها الا عن طريق هذا الجهاز, وأن يشكل الجهاز فريقا بحثيا متكاملا لاجراء البحوث المتنوعة في جميع مناطق البحيرة بما تضمه من المجري الرئيسي والأخوار والمياه الشاطئية وتحت الشاطئية لتحديد المخزون السمكي طبقا للانتاج الحقيقي للاسماك وتحديد أقصي انتاجية سنوية مستديمة لكل نوع من الأسماك, ودراسة مشاكل البحيرة,


كما يطالب بأهمية اجراء الدراسة التفصيلية الميكروبيولوجية علي البكتيريا بالبحيرة سواء في الماء أو الرسوبيات لمعرفة مدي تأثيرها علي صفات البحيرة, ومن الأهمية دراسة منطقة المياه المفتوحة بالبحيرة أو منطقة المياه العميقة والتعرف علي أنواع وكثافة الأسماك بها, حيث يمكن استخدام الموجات الصوتية والتليفزيونية تحت الماء للتعرف علي التغييرات بها ومدي تأثير تحلل وموت الكميات الهائلة من الهائمات النباتية والحيوانية علي الأسماك, كما يلزم عمل مزيد من البحوث التفصيلية لتحديد العناصر الثقيلة والمبيدات في كل أجزاء البحيرة ومدي تأثيرها علي الكائنات الحية خاصة الأسماك.


المهندس ماجد جورج وزير الدولة لشئون البيئة أيد نتيجة الدراسة, وقال إن هناك لجنة علمية وفنية متخصصة كونتها الوزارة لدراسة كل المتطلبات اللازمة لإعلان بحيرة ناصر محمية طبيعية ولاتزال هذه اللجنة تجري دراستها ونحن في انتظار تقريرها النهائي. وأضاف: سوف نبدأ قريبا بعمل مخطط كامل للبحيرة بالتعاون مع صندوق التمويل الكويتي وبمشاركة وزارة الموارد المائية لاستيفاء الدراسات البيئية مع الالتزام بالقوانين المنظمة للحفاظ علي مصادر المياه النقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق