الأحد، 20 نوفمبر 2011

(( المجاعة او الشده الكبرى ايام المستنصر بالله ))







المستنصر بالله الفاطمي هو أبو تميم معاذ المستنصر بالله بن علي الظاهر لإعزاز دين الله وهو الخليفة الفاطمي الثامن والإمام الثامن عشر في سلسلة أئمة الشيعة الإسماعيلية.


كانت الدولة الفاطمية حين اعتلى عرشها الخليفة المستنصر بالله الفاطمي قد استقرت تمامًا، واتسعت اتساعًا هائلاً، وبلغت دعوتها الشيعية أقصى مدى لها في الذيوع والانتشار، وامتلأت خزائنها بالأموال، غير أن وقوعها في أيدي المغامرين والطامحين، واشتعال الفتن والثورات بين فرق الجيش، والتنافس على الجاه والسلطان أضاع منها كل شيء، واختُزلت الدولة التي كانت تمتد من أقصى المحيط الأطلس إلى الفرات في مصر فقط، وبعد أن كانت ترفل في غناها وثرائها وكثرة خيراتها أصبح يعلوها الذبول والشحوب بفعل المجاعات التي أصابتها. هذا التحول من السعة إلى الضيق ومن الغنى إلى الفقر هو ما شهده عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي.شاءت الأقدار أن لا تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية، وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة من (457هـ = 1065م) إلى سنة (464=1071م)، وعُرفت هذه المجاعة ب الشدة المستنصرية أو الشدة العظمى.
وقد أفاض المؤرخون فيما أصاب الناس من جراء هذه المجاعة من تعذر وجود الأقوات وغلاء الأسعار، حتى ليباع الرغيف بخمسة عشر دينارًا، واضطرار الناس إلى أكل الميتة من الكلاب والقطط، والبحث عنها لشرائها، بل إن بعض المؤرخين ذكروا اكل الناس جثث من مات منهم، وصاحب هذه المجاعة انتشار الأوبئة والأمراض التي فتكت بالناس حتى قيل: إنه كان يموت بمصر عشرة آلاف نفس، ولم يعد يرى في الأسواق أحد، ولم تجد الأرض من يزرعها، وباع الخليفة المستنصر ممتلكاته، ونزحت أمه وبناته إلى بغداد، وساء به الحال حتى أن بعضهم ممن كانوا في بعض اليسر كان يتصدّق عليه بما يأكل في يومه.
وكان من نتيجة هذه الأزمة العاتية أن أخذت دولة المستنصر بالله في التداعي والسقوط، وخرجت كثير من البلاد عن سلطانه، فقُتل البساسيري في العراق سنة (451هـ =1059م) وعادت بغداد إلى الخلافة العباسية، وقُطعت الخطبة للمستنصر في مكة والمدينة، وخُطب للخليفة العباسي في سنة (462هـ == 1070م)، ودخل النورمان صقلية واستولوا عليها، فخرجت عن حكم الفاطميين سنة (463هـ == 1071م) بعد أن ظلت جزءًا من أملاكهم منذ أن قامت دولتهم.
وتداعى حكم المستنصر في بلاد الشام، فاستقل قاضي صور بمدينته سنة (462هـ == 1070م) وخرجت طرابلس من سلطان الفاطميين، وتتابع ضياع المدن والقلاع من أيديهم، فاستقلت حلب وبيت المقدس والرملة عن سلطانهم في سنة (463هـ == 1071م) ثم تبعتهم دمشق في العام التالي.
وذكر المؤرخون انه في أيام المستنصر الفاطمي، وقع بمصر الغلاء الذي فَحُش أمرُه، وشنع ذكره. وكان أمده سبع سنين، وسببه ضعف السلطنة، واختلال أحوال المملكة، واستيلاء الأمراء على الدولة، واتصال الفتن بين العربان، وقصور النيل.. وقد استولى الجوع لعدم القوت حتى بيع الإردب من القمح بثمانين دينارًا، وأُكِلت الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير. وتزايدت الحال حتى أكل الناسُ بعضهم بعضًا. وكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم حبال فيها كلاليب، فإذا مرَّ بهم أحد ألقوها عليه، ونشلوه في أسرع وقت، وشرّحوا لحمه وأكلوه. وجاء الوزير يومًا إلى الخليفة على بغلته، فأكلتها العامة، فشنق طائفة منهم، فاجتمع عليهم الناس فأكلوهم. ومن غريب ما وقع أن امرأة من أرباب البيوتات أخذت عِقدًا لها قيمته ألف دينار، وعرضته على جماعة في أن يعطوها به دقيقًا. وكان يُعتَذَر إليها إلى أن رحمها بعض الناس، وباعها به كيس دقيق. فلما أخذته أعطت بعضه لمن يحمله ويحميه من النهّابة في الطريق. فلما وصلت إلى باب زويلة، تسلّمته من الحُماة له ومشت قليلاً. فتكاثر الناس عليها وانتهبوه نهبًا. فأخذت هي أيضًا مع الناس من الدقيق ملء يديها، لم ينُبها غيره. ثم عجنته وشوته، فلما صار قرصة أخذتها معها، وتوصَّلت إلى أحد أبواب القصر، ووقفت على مكان مرتفع، ورفعت القرصة على يديها بحيث يراها الناس، ونادت بأعلى صوتها: يا أهل القاهرة! ادعوا لمولانا المستنصر الذي أسعد اللّهُ الناسَ بأيامه حتى تقوّمت عليّ هذه القرصة بألف دينار! ... "




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق